الجمعة، 15 أبريل 2011

شيخنا محمد علي زرؤوم : نبراس العلم والنور وقاهر الجهل والخرافات


شيخنا محمد علي زرؤوم : نبراس العلم والنور وقاهر الجهل والخرافات

في منتصف القرن الماضي كان المسلمون في إرتريا كغيرهم من بلدان العالم الإسلامي يعيشون في جهل عميق بأمور دينهم بل ودنياهم . فمن بين مظاهر الجهل التي كانت منتشرة ، الجهل في أمور الدين من الشركيات ناهيك من أمور البدع والخرافات . وفي خدم هذه الظلام الداهم ، ظهر في إرتريا شيوخ أجلاء مثل القاضي /موسى ، والقاضي/محمد إدريس عثمان، والقاضي/محمد إدريساي، والقاضي/أبو بكر صالح ، والشيخ محمد علي زرؤوم .
ومن بين المواقف والقصص الجليلة التي تشهد على حالة الجهل التي كانت سائدة في تلك الحقبة من الزمن، قصة شيخنا الجليل/محمد علي زرؤوم ، المعلم والمربي والداعية مع شجرة كانت يعظمها أهل منطقته .  
يحكي والدي القاضي محمد مرانت ، ويقول كنا نتعلم القرآن على يد الشيخ محمد علي زرؤم. وذات يوم رأى الشيخ أن يستأصل تلك الشجرة ، وأمرنا أن نستعد لنقضى عليها صباح اليوم الثاني . وفي صباح اليوم الثاني بعد صلاة الفجر قام جميع الطلاب بقيادة شيخهم المربي باقتلاع الشجرة من أصلها ولم يتركوا لها أثرا حيث أخفوا بقايا الشجرة ، وطمسوا معالم الحفر . وتفرق دم تلك الشجرة بين قبائل البيجوك .
فكانت ردة فعل المشعوذين والمخرفين (الذي لا يخلو أي مجتمع منهم) عنيفة ، وتوعدوا بمعاقبة الذين قاموا باقتلاعها . فحاولوا تحريض وجهاء وأعيان القرى المجاورة على معاقبة وإغلاق الخلوة القرآنية ، ولكن لم يتمكنوا للمكانة والمصداقية التي كان يتمتع بها الشيخ ، ولكون الذين شاركوا في العملية من أبناء جميع فئات المجتمع . ثم لجئوا إلى حيلة أخرى وذهبوا إلى إدارة شؤون الغابة والزراعة (في عهد إثيوبيا) ورفعوا شكوى ضد الشيخ وتلامذته واتهموهم بأنهم يقطعون أشجار الغابة .
وبناءاً على الشكوى المقدمة ، بعثت إدارة شؤون الغابة والزراعة لجنة للتحقيق حول الشكوى والتأكد من صحتها . ولكنهم لم يجدوا أثراً للقطع يستحق ذلك التهويل . وهكذا أنهى شيخنا الجليل وطلابه أمر تلك الشجرة . وانطلقت بداية عهد جديد لحركة العلم والمعرفة . وكانت ستعم البلاد لولا عهد منجستو المدمر الذي جعل الأقاليم والمدن الإرترية كنتونات معزولة عن بعضها البعض ، ثم عهد أسياس الذي غيب الشيوخ ، والمعلمين والدعاة .

الدروس والعبر
  • بالعلم والعلماء تتحرر الأمم من الجهل ، والظلم والاضطهاد .
  • الشباب هم أداة التغيير ، فطلاب شيخنا كانوا شباباً ، ومن ثم أصبحوا قادة نضال إرتريا .
  • إشراك جميع فئات المجتمع في القرار التنفيذي ينجح المشاريع . 
خواطر أبو آية مرانت

موقف نضالي (1) : القاضي محمد مرانت وسجنه الأول في عهد هيل سلاسي (1969)


 القاضي محمد مرانت وسجنه الأول* في عهد هيل سلاسي 

كانت لدى مخابرات الامبراطور هيل سلاسي ، معلومات أكيدة بأن الأستاذ/محمد مرانت ، يقود خلايا جبهة التحرير في بعض مدن إرتريا أهما مدينة كرن وقندع . ولكن لم يكن لديهم دليل مادي لإدانته (لاحظ دولة تحاول أن يكون لديها قانون ومؤسسات وليست مثل دولة أسياس دولة عصابات لا قانون ولا مؤسسات) . وكانو يتربصون به ليلقوا عليه القبض وهو متلبث بالجريمة وبيده دليل مادي يؤدي به إلى حكم الإعدام ويتخلصوا منه إلى الأبد .
وذات يوم غدا إلى محطة الباصات ليودع ابنة عمه (مكة أمير) والتي كانت قادمة من قرية حطاط صباح تلك اليوم في طريقها إلى السودان هرباً من المجازر التي كانت تمارس في قرى إرتريا . وكانت تحمل معها رسالة من جبهة التحرير المتمركزة في أطراف المدينة . التقى بها واستلم منها الرسالة وبينما هو في وداعها صعد إلى الباص ليطمئن على أمورها فإذا به يرى من خلال نافذة الباص عناصر الأمن الإثيوبية متجهة نحو الباص ، وبفطنته وشجاعته الثورية أدرك أنهم لا محالة متجهون لإلقاء القبض عليه . وتذكر تلك الرسالة التي في حوزته ، ذلك الدليل القاطع والذي يكفي أن يؤدي به إلى حبل المشنقة . تصرف بسرعة فائقة وأخذ الرسالة ووضعها في فمه . وهرع عناصر الأمن في تفتيشه بحثاً عن تلك الورقة وأخذوا يضربونه ويسألونه أين الورقة . وهو يمدغ فيها ويبتلعها وأخيراً اكتشفوا أنها في فمه فعمدوا يضربونه في رأسه وأضراسه لإنقاذ ذلك الدليل الذي جندوا الجنود وصرفوا الميزانيات من أجل الحصول على مثله . ولكن هيهات هيهات مع ثوار إرتريا الأبطال .
ولم يتمكنوا من إنقاذ أي شيء سوى فتات بسيط ومعجون ، واقتادوه إلى المعتقل ومعهم الدليل التالف وحققوا معه 15 يوماً (حيث كانت مدة التحقيق القانونية ولم تكون قابلة للتمديد) لعله يدلى باعترافات . وبعد انتهاء مدة التحقيق تم تحويله إلى المحكمة وبرأته المحكمة من التهمة الموجهة إليه من عناصر الأمن لعدم وجود دليل كافي يدينه بأنه متعاون مع المخربين على حد اعتقادهم (جبهة التحرير الإرترية)  ، وحكمت  عليه بالسجن لمدة عام وذلك لعدم تعاونه مع رجال الأمن عند تفتيشه .
وهكذا أصبح هذا الموقف أسطورة يتناقلها جيل التحرير الإرتري خلال النصف الأخير من القرن الماضي . وعلى سبيل المثال ، في شهر يناير عام 2011 ، زارتني أم هيثم وهي في طريق عودتها إلى أستراليا في بيتي وأخذت تحكي لزوجتي عن مواقف والدي النضالية . وعندما عدت إلى البيت قالت لي زوجتي أن أم هيثم حكت لي أن أباك "بلع ورقة" وقالت إنها كانت تحكيها بكل اهتمام ولكني لم أفهم مقصدها ،  وسألتني ما قصة "بلع الورقة" ؟!!!! فانتفضت لأحكي لها تلك القصة التي مضى عليها أربعون عاماً ولم أجد المناسبة لحكايتها خلال العشر سنوات الماضية .


والجدير بالذكر هناك بعض المواقف استوقفتني بل وأحزنتني لضياع هذا الموروث النضالي ، تحت تأثير سياسة الجبهة الشعبية التهجيرية التي عملت وما زالت تعمل على طمس تاريخ مثل هذه الرموز النضالية :
الموقف الأول : في عام (2005) عندما التقيت بشاب جاء من إريتريا بل من كرن تحديداً فعرفته بنفسي (عبد الرحمن مرانت) فوجدته لا يعرف الاسم "مرانت" ولم يسمع عنه ولم يعطيني اهتمام. فغيرت اللغة إلى لغة تناسب الحقبة الزمنية التي عاشها (حقبة هقدف) قلت له تعرف عباس ( Chee Chee) اسم الشهرة التي اكتسبها في سباق الدراجات الهوائية لسرعته الفائقة وتعني "الرشاش" . فانشرح لي وسلم علي بحرارة . 
الموقف الثاني : التقيت سعادة السفير/ألم ، سفير إرتريا إلى الهند في عام 2010 ، والذي كانت في زيارة للجالية الإرترية بماليزيا ، فظل يسألني من أين أنت ، وماذا تعني كلمة "مرانت" ، وهل عندك أصول يمنية ، ويقول مستغرباً لم يسمع بهذا الاسم من قبل. فأجبته كلمة مرانت تعني في لغة التجري الشجاعة والجرأة والبسالة .  وكان سفيرنا رجلاً لطيفاً يتحلى بدسامة الإرتريين وطول بال المناضلين . ولكنه فاجئني بأسئلته الساذجة ، حيث ابدى استغرابه بأنه يوجد إرتريون لا يتحدث أو لا يفهمون التجرينية . 


=  انتهت الخاطرة =


* سجن القاضي محمد مرانت ثلاثة مرات ، مرتين في عهد الإمبراطور هيلي سلاسي ، والسجن الثالثة والأخير في عهد أسياس . 

الجمعة، 8 أبريل 2011

القاضي محمد مرانت - نشأته وخلفيته النضالية

نشأته 
ولد القاضي مرانت في قرية حطاط ، والتحق بخلوة الشيخ محمد علي زرؤوم ، ثم أرسله والده إلى مدينة كرن للدراسة بأحد المدارس الحكومية ، وعندما احتك بمشايخ كرن مثل القاضي موسى والقاضي أبوبكر ، ووجد منهم ذاك الحنان والاهتمام انتقل إلى معهد جامع الذي كانو يديرونه .

خلفيته النضالية 
1) شارك في اقتلاع شجرة الشرك عندما كان تلميذاً عند الشيخ محمد علي زرؤوم . (سأتناولها في خاطرة أخرى: بعنوان شيخنا زرؤون قاهر الجهل والخرافات)
2) عمل ضمن خلايا جبهة التحرير الداخلية ، وعين رئيساً لها بتوصية من القاضي أبوبكر . وله مواقف وقصص يتناقلها أهل كرن إلى يومنا هذا . أشهرها (ابتلاع وثيقة فلسكاب) عندما داهمته قوات الأمن . (سأتناولها في خاطرة أخرى: بعنوان موقف نضالي للقاضي محمد مرانت) 
3) وبعد انهزام جبهة التحرير ودخولها السودان ، اتجه إلى الدعوة واهتم بتدريس السيرة النبوية والفتوحات الاسلامية .

وهكذا كانت حياته كلها نضالاً ضد الجهل ، والخرافات ، والظلم .

أسئل الله أن يرحمه رحمة واسعة







القاضي محمد مرانت (مغيب في سجن الدكتاتور أسياس)


القاضي محمد مرانت.
من أوائل معتقلي الرأي والضمير في إرتريا، بل ولعله – حسب علمنا – أول من تم اعتقاله بعد التحرير مباشرة في 17/07/1991م.
القاضي محمد مرانت من مواليد قرية حطاط ، إحدى قرى بيجوك الواقعة على ضفاف وادي عنسبا [15 كلم شمال مدينة كرن]. تلقى تعليمه في المعهد الديني بكرن {المعروف بمعهد جامع} ، ثم عمل معلماً بنفس المعهد في الفترة من عام 1970 وحتى 1985 . ثم عمل بعد ذلك في القضاء الشرعي في كل من مدينة أغردات ، ثم قندع وأخيرا في كرن إلى أن جاء التحرير لتخرج إرتريا من الاحتلال الإثيوبي وتدخل نفق حكم الدكتاتور إسياس، المظلم. تم اعتقال الأستاذ محمد مرانت من قبل عصابة الدكتاتور إسياس بدون توجيه أي تهم وما زال مغيبا كغيره من المعتقلين من بعده، في معتقلات الدكتاتور ولا أحد يعرف عنه خبرا. فرج الله عنهم أجمعين.

Judge / Mohamed Meranet

One of the first Prisoners of Conscience in Eritrea. In fact, he is first to be arrested shortly after the LIBRATION in targeting the Muslim religious scholars and teachers . That is on 17 July, 1991.

Judge Mohammed Meranet was born in the village of Hitat, of the Bait-juk tribe, one of the villages situated on the banks of Anseba valley [15 km north of the city of Keren]. He studied at Keren Islamic School known as ( Ma’had Jami’), then he worked as a teacher in the same Institute during the period from 1970 to 1985. Ustaz Mrant, then, worked in the religious judiciary in different cities such as Akurdat, Qinda’ and Keren where he served up to the liberation of Eritrea from the Ethiopian occupation. Eritrea, unfortunately, entered into  an era of a dark tunnel, that is the regime of  Dictator Isaias.
 
A gang of dictator Isaias arrested Ustaz Marnt without any charges or being sent for trial. He has since then been absent, like other detainees after him and no one knows his whereabouts.

الصباح الحزين

أنه صباح يوم  14/ 04/ 1992

إنه صباح اليوم الذي غدونا فيه إلى المعهد لنلهل من العلم والمعرفة كما تعودنا. ولكنه كان صباحاً حزيناً ، حيث لم يأتي إلينا أستاذنا الجليل محمد حامد في حصة القرءان التي نبدأ بها يومنا الدراسي، والوجوه حزينة والكل يهمهم أخذوهم الساعة الثانية عشر صباحاً .. والكل يسأل من أخذهم ؟! ولماذا ؟! وإلى أين ؟! لا أحد يجيب .. فمدينة كرن باتت حزينة وأهلها أصبحوا حيرى و الكل يعدد الأسماء :
أخذوا الأستاذ/ عبد العليم محمد علي زرؤوم
و الأستاذ/ إبراهيم بخيت مالك
والأستاذ/ عبد الرحمن علي أمحراي
و الأستاذ/ أبو بكر محمد نور جمع
والأستاذ/ محمد علي حسن
والأستاذ/ محمد نور عبده
والأستاذ/ محمد حامد عثمان
و الأستاذ/ إبراهيم جمع

لا أحد يعرف لماذا أخذوهم ، وأين هم ، حتى هذه اللحظة لا يعرف مصيرهم ومصير الذين أخذوا غيلة وغدرا من بعدهم ، ومن بعدهم والقائمة تطول والتواريخ تتسلسل ولا يتوقف العمل الإجرامي المنظم من قبل عصابات الحزب الوحيد {حزب الفوضى والتهميش}




The sad morning: The arrest of 1992 group:

It is 14/4/1992 in the morning, when Eritrean students went to their institutes to seek knowledge and
science as usual. Unfortunately, it was a tragic morning, their noble teachers did not come as
expected to start their day by a Qur’an period. All faces are blue and every one is whispering “They took them at night”. Every one is querying “who took them?”, “why?”, “to where?” and no answer is ultimately uttered.

Eritrea had become sad and its people are confused; yet everyone lists:

Abdulaleem Mohammed Ali Zar’um
Ibrahim Bakheet Malik
Abdul Rahman Ali Amharai
Abu Bakr Mohammed Nur Jam’
Ali Hassan Aadem Azuz
Mohammed Tahir Hazut
Mohammed Hamid Uthman
Ibrahim Jam’

Noon ever knows why they are taken, and where they are right now. To this moment, their destiny is not
clear because they were taken and many others in cold blood. The criminal practice by the only-one regime is never seized.

Thoughts written by Abdul Rahman Maranet; inspired by the grand Arab revolutions as a token of appreciation to his teachers.

شيخي المفضل/القاضي أبو بكر ، تنبأ بسياسة الشعبية التهجيرية


شيخي المفضل/القاضي أبو بكر ، رحمه الله رحمة واسعة . 

لا أنسى تلك الأيام التي قضيناها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مع شيخنا الجليل ، نتلقى منه العلم ونتربى بين يديه على الفضيلة ، والأخلاق الحميدة، ويبصرنا بما يدور حولنا وذلك كله في حصة النحو وفي ثنايا "الكلمة اسم وفعل وحرف" وكل ما علينا هو أننا نثيره بفتح موضوع من مواضيع  السياسة ، وخاصة إذا كان هناك حدث جديد . وكنا ننتظر حصة النحو بفارق الصبر لنجد التحليل الصائب ، وخاصة آخر تطورات الحرب الصامة بين الشعبية وأهل كرن .

تنبأ فضيلته في بداية تسعينيات القرن الماضي وقال يا أبنائي لا تنتظروا من الجبهة الشعبية الخير "لا تجني من الشوك العنب" ، فالجبهة الشعبية ستعمل على تهجيركم بكل ما تستطيع . ويحكي لنا قصته مع الجبهة الشعبية في منتصف السبعينيات ،  والحادثة يعرفها أهل كرن كلهم ، يقول جاءوا إلى بيته ليأخذوا حريمه لمهرجاناتهم وبرامجهم التي ينظمونها فرفض ذلك ومنع الجنود من تنفيذ ما أتو له ، ووصل الأمر إلى الضرب واعتقلوه وأوقفوا سيدنا القاضي في الحبس لمدة نصف يوم ثم أطلقوا سراحه . ثم استدعوه بالليل وقال له أحد مسئولين الجبهة الشعبية حينذاك "لا تسبب لنا الشغب والمشاكل، إذا لا يعجبك الوضع اذهب إلى السودان كما ذهب أولادك (يقصد جبهة التحرير)" . فكان رد القاضي الشجاع أنا وأولادي نذهب إلى السودان، السعودية، مصر، مصوع، عصب كلها بلادنا أما أنت "حبشتاي" ما الذي جاء بك من كبسا إلى هنا ؟! هذه بلادنا وإذا ما عجبناك فعليك أنت أن ترحل .

 هذه هي عقلية الشعبية ، وهذه هي العقلية التي تصيغ بلادنا حالياً . فلا تستغرب يا سيدي إذا وجدت نسبة المسلمين في الوظائف الحكومية أقل من 5% . وإذا وجدت عدد الكنائس تزداد يوماً بعد يوم والمسلمين لا يستطيعون ترميم مساجدهم القديمة، والمسيحيين لديهم منظمات خيرية وإغاثية والمسلمين ليس لديهم ولا منظمة واحدة .